“أجنّة محظوظون” كيف تلد النساء مبكراً في غزة؟
محمد أبو شحمة
ثلاثة رضع “محظوظون” يتشاركون حاضنة واحدة في مشفى ناصر بخان يونس، هم يعانون من تشوهات في القلب أو الرئة، إثر ولادة مبكرة وسوء التغذية، لكنهم محظوظون، يقول العاملون في المشفى، قياساً بغيرهم من الأجنة الذين لم تكتب لهم الحياة في القطاع.
لم تشعر فرح منصور”21 عاماً” بأي سعادة، حين علمت بحملها في شهر تشرين الثاني من عام 2023، كانت الحرب قد دخلت شهرها الأول، وتنتظرها أشهر من النزوح والهرب وسوء التغذية، التي ستفضي بها إلى ولادة مبكرة، مثلها كمثل مئات من السيدات في القطاع.
حالياً تنتظر أكثر من 49 ألف امرأة موعد الولادة في ظروف صحية ونفسية تفاقم مخاطر الإجهاض والوفاة والولادة المبكرة وفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين.
قبل الموعد بشهرين، وضعت فرح طفلها ضمن مجمع ناصر ، نُقل رضيعها مباشرة الى الحاضنة، لعدم اكتمال نمو الرئتين لديه، إلى جانبها، جاء المخاض مبكرًا أيضًا لـ ياسمين اصليح “28 عاماً”، في الشهر الثامن من حملها، ووضعت جنينها “محمد” داخل مستشفى التحرير في مجمع ناصر الطبي غرب مدينة خان يونس، الذي نُقل أيضاَ إلى الحاضنة إثر مشاكل بالقلب والقدمين، والرئة.
خلال فترة حملهما مرت فرح وياسمين بحالات نزوح وهرب سوء تغذية وتوقف تام للرعاية الصحية، مع مآوي من النايلون وبعض الأخشاب في مناطق قريبة من الاشتباكات وعمليات القصف في منطقة المواصي، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بالآمنة لكنها استمر في قصفها.
رئيس قسم النساء والولادة في مستشفى التحرير بمجمع ناصر، غسان مسلم، والذي يتابع عشرات الحالات يومياً، يقول إن غياب الرعاية الصحية والغذاء ليسا فقط العاملين المؤديين إلى الولادة المبكرة، إذا يساعد في ذلك أيضاَ، استنشاق دخان الصواريخ والمتفجرات التي تلقيها الطائرات الحربية الإسرائيلية.
نزحت ياسمين خلال فترة حملتها 4 مرات، وفي كل مرة كانت تركض لمسافة 7 كيلو متر من منطقة سكنها في شرق خان يونس إلى المواصي في غرب المدين، مثلها فعلت فرح متنقلة من عائلتها من مكان إلى آخر.
توضح المستشارة الطبية لمشاريع أطباء بلا حدود، جوان بيري، “نرى أطفالًا يعانون من سوء التغذية، وهي مشكلة لم يسبق لها مثيل في غزة من قبل، مع وصول محدود إلى المياه النظيفة، فضلًا عن خدمات الصرف الصحي السيئة.
سُجل ظهور حالات الإصابة بالإسهال والجفاف والتهاب الكبد A والالتهابات الجلدية بين الأطفال خلال الأشهر الأخيرة.
صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين، أكد أن أكثر من 17 ألف امرأة حامل على حافة المجاعة، بينما تعيش 11 ألف امرأة حامل بالفعل في ظروف تشبه ظروف المجاعة، وفقاً ل نستور أوموهانغي، ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في فلسطين.
الوصول إلى ما تبقى من مشافٍ، يشكل بحد ذاته خطراً على النساء الحوامل، فلا سيارات إسعاف، ولا طرق آمنة، وتضطر بعضهن للسير نحو المشفى مع بدء المخاض، أو استخدام وسائل نقل بدائية متوفرة.
تقول المستشارة الصحية لوحدة الطوارئ في أطباء بلا حدود، ميرسيه روكاسبانا” المخاطر الصحية الرئيسية التي تواجه النساء الحوامل، تأتي نتيجة للمضاعفات المرتبطة بضغط الدم مثل الارتعاج والنزيف والإنتان والتي يمكن أن تصبح مميتة إذا لم تُعالج في الوقت المناسب”.
بعد سبعة عشرة يوماً في الحاضنة، تمكنت فرح من حمل رضيعها، وعادت به إلى الخيمة المصنوعة من النايلون، وهي تعلم أنها ستواجه معه خطر المجاعة وسوء التغذية التي باتت منتشرة في القطاع.